Monday, November 21, 2016

عم أحمد وحارس المقبرة

بقلم: كريمة الشريف
المكان: أخميم
الزمان: الساعة الواحدة بعد منتصف ليل يناير
الفقر والبرد صديقان لعم أحمد الخفير المسئول عن حراسة المكان لكنه يتنصل منهما بكوب من الشاي الأسود علي الفحم وكوب آخر ويتليه كوب حتى يتسلى بتمضية الليل دون قلق. كان عم أحمد رجلا في الخمسين من العمر تنقل كثيرا طوال حياته في العديد من المهن المرهقة والتي لا يحصل منها سوى على الأجر القليل مثل حارس بناية, عامل تراحيل, عامل بناء وغيرها من تلك المهن التي لا تكاد تغطي قوت اليوم وهنا في هذا المكان الموحش كانت مهنته الأخيرة والتي اضطر لها نظرا لكبر سنه وعدم مقدرته على القيام بالمهن الصعبة التي تتطلب مجهود. كان يعمل حارسا لمقبرة يقال أنها من العصر الفرعوني. مجموعة من علية القوم تأتي يوميا ولكنه لا يعرف أن يحدد هويتهم فهل هم من رجال السلطة أم المال والأعمال أم كلاهما ولم يهتم ولكنه كان مطلوب منه حراسة المقبرة بعد انتهاء العمل منها ليلا. الجبل ليلا قرب أخميم يكون موحشا غامضا يوحي له بأفكار كثيرة هناك الكثير من القصص والحقائق حول أناس تغيرت حياتهم بعد وجود الكنز نعم كان يحلم بالكنز-مثل الكثيرين- وكان أحيانا يخجل من نفسه ولكن ها هم علية القوم يفعلون مثله ويحلمون بالكنوز ......كنوز الفراعين, الذهب حيث لم تهمه الحجارة كثيرا كان يمضي وقته ليلا بالحلم بالذهب فماذا لو وجد هو الذهب وكيف تتغير حياته. نسمات باردة هبت في ظهره نسمات غير عادية شديدة البرودة وكأنها تخرج من ثلج موجهة مباشرة في ظهره بل في داخل أذنه. التفت حوله فلم يجد شيئا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم وعاد لأفكاره كان يحلم بالذهب وكيف يمكنه أن يغير حياته, بناته الثلاث وزوجته المسكينة يستطيع أن يقدم لهن السعادة والحياة الرغدة ويزوج بناته على أفضل حال ومن أفضل رجال ويرتاح, نعم كان بحاجة للراحة فكم تعبته الحياة بقسوتها. سمع صوتا يناديه ولكن الصوت يأتي من خلفه-عم أحمد- صوت جهوري قوي صوت قد يكون بشري فلا داع للقلق لملم شجاعته والتفت. تمنى أن تكون قد خدعته عيناه فالذي رآه لم يكن من بني البشر كان بطول ثلاث أمتار ذو سيقان طويلة وكان جالسا خلفه يلتف في عباءة كتانية بيضاء ووجهه أسمر وأصلع تماما. طمأن نفسه وقال ربما هو بشري فارع الطول. لم يجرؤ على الحديث معه. تحدث الرجل قائلا -لا تخف مني- أنا حارس المقبرة مثلك تماما لكنني هنا لأمنعهم من الحصول على الكنز. لم ينطق عم أحمد وكانت يده مطبقة على كوب الشاي فارتشف رشفة سريعة وهرب من عيون الحارس بعيدا كانت عيونه نارية مسلطة عليه تماما. الذهب, نطقها الحارس, هذا ما تريد أليس كذلك. لم يرد عم أحمد. كان جالسا هذا الحارس الغريب ممدا ساقيه أمامه فتحدث قائلا: أراك تخشى مني؟ نعم لست بشريا أنا الجني الحارس لهذا المكان وأصدقك القول أنا أخاف البشر كثيرا وأخشى أنني لن أستطيع الحفاظ على الكنز وحدي فما رأيك بعقد صفقة معي؟ قال عم أحمد أخيرا ماذا تقصد؟ تململ الحارس في جلسته قائلا: أعطيك الذهب وتساعدني في ردم المكان لتضليلهم وإخفاء دليل المقبرة فإن لم أحافظ عليها فسأحترق ..ها ما رأيك؟ لم يرد عم أحمد لكنه الحلم هاهو يتحقق فلم يرفض؟ هل يخاف من الجني أن يخلف وعوده؟ فهو لن يخسر شئ. هز رأسه موافقا فقال له الحارس: تعال تفضل سأزيح لك الباب الموصد بفعلي والذي لا يعرفون فتحه بدون الاتفاق معي وأنا أبغضهم أما أنت فرجل طيب مسكين سأفتحه لك. قام بحركة من يده فانشق باب تحت قدميهما وبرزت درجات حجرية نازلة لأسفل. دعاه قائلا تفضل وخذ من الذهب ما تريد. نزل عم أحمد لأسفل وهاله ما رأى لقد تحقق الحلم الذهب الكثير من التماثيل الذهبية الصغيرة والحلي والمجوهرات والقدور الذهبية كما تمدد الفرعون الرهيب في تابوته الذهبي الملون مهيبا لا يكاد يهزه ريح. تجول كثيرا في المكان ونسي كل شئ إلا الذهب فراح يتأمل كثيرا ويسرح بخياله في البيت الجديد والسعادة وكان يمسك بيديه ما تقع عيناه عليه حتى يتحقق له أنه لا يحلم ولا يهذي وفي شده انبهاره لم يلحظ أن باب المقبرة يغلق عليهما إلا بعد سماع صوت إغلاق باب فتلفت من حوله وجد الحارس بعيدا فسأله لم أغلقت الباب؟ رد الحارس: قلت لك أنا أخشى بنو البشر ولكن لاأخشاك فأنت رجل طيب ويمكنك أن تصبح صديقا لي تواسيني في وحدتي هنا ويمكننا معا العمل على إخفاء دلائل المقبرة وتضليل هؤلاء اللصوص وها أنت قد حصلت على الذهب فتمتع به. عرف عم أحمد أنها النهاية فجلس بين القدور والحلي والتماثيل الذهبية فلا شئ لديه الآن سوى التمتع بمنظر الذهب.
في الصباح الباكر جاءت مجموعة الحفر مع بعض الرجال من علية القوم ووجدوا ردما هائلا فوق دليل المكان وبعد ذلك انهال عليهم عددا من الحجارة الضخمة قاتلا احد العمال فشعروا بنذير شؤم وقرروا التوقف عن العمل في المكان حيث يبدو أنه لا وجود لمقبرة حقيقية أو كنز وتعجبو من اختفاء عم أحمد هذا الرجل المجنون والذي لم يبحث عنه أحد بعد ذلك فقد عللت بناته وزوجته اختفائه بالهرب من مسئوليات الحياة. 

No comments:

Post a Comment

البراح-نثريات مرهقة

كل شيء نابض بالموت ناطق بالحياة اسألوا الجاهل يعلم بل بلغوا الحلم ترهات النعاس حين يذكر لحظة مر فيها صوت عبر عقل واستكان يطرق ال...