الممر بالمشفى العام حيث والدي المدير طويل وموحش, كريه, رائحته سيئة. العنابر التعيسة على جانبي الممر والمرضى الحزانى يوحون بأن صحة أبي سوف تتحسن بامتصاص دمائهم قريبا. توجهت نحو غرفة الاستراحة الخاصة بوالدي. انتظرت قليلا لأستجمع نفسي وأجهز كلماتي. طرقت الباب. فتح لي والدي وكانت يداه مملوءتان بالدماء فعرفت أن عنده ضحية جديدة. لم أحتمل المشهد, ركضت كثيرا حتي خرجت للهواء الطلق. ما زلت لا أتخيل كيف يلتهم الفقراء من مرضاه بحجة أنه يريحهم من الحياة.. ولم لا يمتص دماء حيوانية وكفى؟ يقول أنها تضعف طاقته كمصاص دماء وتجعله رقيقا لا يقوى على الحياة. باغتني بسؤاله لي حيث جاء من خلفي عند النافذة الموجودة بنهاية الممر: أهلا ولاء ماذا جاء بك هنا؟ تلفتت حولي ثم سألته: هل من مكان آمن نظيف يمكننا الحديث به؟ شعرت من نظرته لي بعدم الرغبة في الحديث معي لكنه تقدمني نحو غرفة جانبية ثم فتحها ودلفنا كلانا للداخل.
-ما الأمر إذن ولاء؟
ترددت كثيرا ثم أجبته في سرعة: هناك شاب يريد الزواج بي.
صمت قليلا ثم قام عن كرسيه واقترب مني سائلا: -من هو؟
تلعثمت وأنا أقول: إنه جارنا نداء. توقعت صفعة والدي فتراجعت من فوري نحو الباب مباشرة لكنه لم يصفعني بل قال: -لا أوافق..ما ردك؟
تعجبت من بروده ثم قلت بشجاعة: إذن سأتزوجه.
أجابني بذات الهدوء وهو يدخن سيجاره الفاخر: لا يمكن أن تتزوجي من بشري عادي.
أجبته: لكنه مختلف هو مذءوب.
صمت والدي قليلا ثم قال: أيضا لا أوافق..ما ردك؟
شعرت أنه يعرف ضعفي أمامه ويتحداني فقررت التحدي قائلة: إذن سأتزوجه وسترى.
قهقه والدي قائلا: سنرى نعم..إذهبي للمنزل ابنتي العزيزة وأعدك بوجبة شهية من دماء القطط الليلة.
شعرت بالحزن على ضعفي واستسلامي لوالدي الذي لم يتوقع جديتي بالأمر وذهبت من فوري لمقابلة نداء.
...................................................................................................................................................
لن أتخلى عن ولاء أبدا فهي من ساعدتني بالتخلص من آلامي وجعلتني أتصالح مع ذاتي وأحبها, بالفترة التي تركتني بها ولم تعرني أي اهتمام كنت أجالس نفسي كثيرا وحادثتها ووجدت ان وجود ولاء بجواري يجعل مني إنسانا أو أقرب كثيرا للإنسان الذي يمتلأ بالخطأ والصواب وعليه أن يقبل ذاته كما هي ويطور من غرائزه كيلا تؤذي الأبرياء. ولاء فتاة رقيقة حقا, تحبني وأنا لن أتخلى عنها..أتمنى أن يوافق والدها على زواجنا و ..........قاطع أفكاري صوت ولاء وامي يتحادثان خارج غرفتي وكانت والدتي ترحب بها كالعادة. صوت طرقات ولاء على باب حجرتي أسعدني, فتحت لها الباب ودخلت باكية فوق كتفي.
-نداء أبي يرفض زواجنا بل ويسخر مني.
هدأت من روعها قليلا وربتت كتفها قائلا:
-لقد أخبرتك من قبل, لا حل سوى الزواج بالنادي, فما رأيك.
مسحت دموعها ثم ارتدت للوراء قليلا قائلة: فلنذهب الآن للنادي.
...................................................................................
استقبلنا رائد بنادي المختلفين استقبال الفاتحين وأخبر الجميع بقصتنا وكيف أنه سيجهز لمراسم العرس المميز لكنه أخبرني بأن هناك شخص ما يجب عليه الحضور في مثل تلك المناسبات, رحبت بذلك حيث قال أن الشخص هو مؤسس النادي وكبير المختلفين بالبلاد كما أنه يشجع زواج المختلفين كليا مثل مصاصي الدماء والمذءوبين وأن من مبادئه العدل والمساواة وعدم تشيع الفرق بين المختلفين بل كلنا سواء. انتظرنا قليلا حيث تم استدعاء جميع الأصدقاء والمأذون لعقد القران وجلست وولاء في كرسي العرس ثم تم الإعلان عن وصول مؤسس النادي وحياه رائد بصوت عال قائلا : "السلام للدكتور طارق السمري". ارتجفت ولاء عند دخول والدها لكننا لم نستطع أن نفعل أي شيء سوى المواجهة. فوجئت بالدكتور طارق السمري ينظر لنا بقوة ويقول بثقة وتؤدة: لدي مفاجأة لكم أحبتي فالعروس هي ابنتي ولاء كما أنني لم أرد ان أخبركم بذلك كي أفاجيء ابنتي وعريسها العزيز بهدية العرس وهي خاتم العرس الماسي, ثم أخرج من جيبه علبة حمراء..يا للمنافق حسن التصرف, عندما فوجيء بالأمر كذب كي يحافظ على هيئته بين جمعه ومريديه من المختلفين.. قدم العلبة لي في يدي ثم قرب فمه من أذني قائلا: لن أدعك تهنأ بابنتي أيها الوغد الكريه..ثم قبل جبيني ووجنتي ولاء قائلا: باركما الرب أبنائي ثم عقد القران. يبدو ان الدماء البشرية التي يمتصها قد جعلت لديه من القوة ما ثبته على موقفه لكن..هل سننعم أنا وولاء بزواجنا؟؟ وما سيكون مصير أبناءنا؟ أعتقد أن تلك مسئوليتنا سويا فلنهنأ الآن ونشرب كأس الفرح والسعادة.