لا أحب اللون الرمادي..اللون الرمادي سبب وجودي بهذا المكان القميء, كان أبي يرتدي الملابس الرمادية وزوجي كذلك وعمي وحبيبي رقم 1 وجميعهم قساة عتاة لم يعرفوا الحنان ولا الرحمة. وبهذا المكان اللون الرمادي هو الملك فالجدران رمادية والأثاث أبيض مائل للرمادي والحوائط كذلك. وهو أيضا جنى علي ذاته بارتدائه الملابس الرمادية. كل يوم يأتيني صوته من الطرقة الطويلة المؤدية لغرفتي قائلا: "والله العظيم لأستقيل واسيبلكم المخروبة دي تتطربق على دماغكم ولا انتحر وارتاح" ثم يدخل غرفتي ويغلق الباب مكفهرا بنظراته في وجهي. يحمل بيده ملفا كتب عليه: سميرة بدوي ..الحالة 313, التشخيص بارانويا. يجلس أمامي يحاورني, أحيانا أجاوبه وأحيانا أصمت..أتعمد الصمت حتى أستفزه لأن بشرته البيضاء تتحول حينها لوردية اللون وتحمر وجنتاه غضبا فتزداد وسامته. هو يعرف كم انا جميلة وأنوثتي طاغية رغم الثوب الغبي الذي أرتديه بهذا المكان. أرى ذلك في عينيه حين يواجهني بالأسئلة وحين يبتسم عندما أتحدث وحين يتعمد إطالة الجلسة بلا داع, أعرف أنه لا يحبني لكنني لم أتوقع أنه يحب غيري كما لم ترق لي بعض كلماته. كان ذلك يوم الثلاثاء الماضي عندما دخل غرفتي كالمعتاد صارخا مهددا بالاستقالة لكنه أضاف بصوت منخفض اعتقد أنني لم أسمعه:"واما نشوف بنت المجنونة دي كمان اخرتها اية" خلع معطفه الرمادي ووضعه على الكرسي أمامه. في هذا اليوم صمتت تماما واحمر وجهي مثلما حدث معه. نادته الممرضة فخرج, استفزني اللون الرمادي للمعطف فوجدتني أمسك به وأفتش جيوبه حيث وجدت صورة القبيحة التي يحبها وهو معها والخواتم تزين أصابعهما إذن يتعمد النذل أن يخلع خاتمه عندما يأتي لي. كان يرتدي بدلة رمادية وربطة عنق رمادية وتطل من عينيه نظرات عشق تقتلني أنا. وضعت المعطف وجهزت الخطة. اعتدت تزيين شفتي بأحمرالشفاه قبل زيارته وكنت أجد ذلك يروقه. حسنا ها هو, حمدت الله أن الممرضات بهذا المشفى يفعلن أي شيء من أجل المال وأنا لدي المال. ابتاعت لي الممرضة سما فوري القتل باهظ الثمن خلطت السم مع احمر الشفاه الذي أصبح كالعجين ثم وضعت الكثير منه بمهارة وتخلصت مما بقي منه ثم جاء حبيبي. نظرات الإعجاب بعينيه تقتلني عشقا, اقتربت منه وباغتته بتقبيلي له الذي رحب به لكنني لم أتوقع أن يسري السم بجسده بهذه السرعة, لقد كانت ممرضة مخلصة إذن وأنا أجزلت لها العطاء. وجدته يتلوى على الأرض ويسقط صريعا جثوت بجواره وأزلت عنه وعني آثار أحمر الشفاة وألقيت بالمحارم وما بقي من أحمر الشفاة بالقمامة ثم داهمتني الآلام بالمعدة وفقدت الوعي. يقولون أن جرعة السم خاصتي كانت قليلة وأنا الآن بالمشفى ولا أحد يعرف كيف مات هو أو تسممت أنا. يقبل نحوالغرفة شاب أسمر أنيق أسمعه يصرخ أيضا مهددا بالاستقالة, دلف للغرفة مبتسما بوجهي ابتسامة إعجاب قائلا: "أنا الدكتور أحمد الي هاكمل علاجك ان شاء الله." لا يرتدي خاتما بإصبعه لكنه يرتدي أيضا بنطالا رماديا وقميص أبيض مائل للرمادي, أنظر للحائط الرمادي للمشفى أجد كتب عليه عبارة بالانجليزية تقول: " I quit" أغمض عيناي وأتخيل جيدا صورة الدكتور أحمد الذي سيكمل علاجي لكنه الآن معلقا من رقبته على نافذة غرفتي الخاصة.
Sunday, February 12, 2017
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
البراح-نثريات مرهقة
كل شيء نابض بالموت ناطق بالحياة اسألوا الجاهل يعلم بل بلغوا الحلم ترهات النعاس حين يذكر لحظة مر فيها صوت عبر عقل واستكان يطرق ال...
-
هنالك في ركن قصي من مشتل جديد تزهو في حقل عن الأسفلت ليس ببعيد, زهرة برية وحيدة في إصيص موضوع بعناية في قلب الحقل, نسمات الهواء تجرها نحو...
-
يخرج الذئب من مخبئه يبحث عن أنثى الأيل تتراقص رؤية ضبابية سرابية من حوله العينان مثبتتان والشمس حارقة تخرج بعض سهام مارقة نحو الأيائل في...
-
مشوش صوت يصارع للبقاء أضغاث رؤى تهاجم عقلي جسر بين الحقيقة والحلم يمتد أميالا ويسكن بؤرة زمنية من أغلق باب الحلم هنالك؟ من زرع برأسي بذرة ...
No comments:
Post a Comment