Thursday, February 2, 2017

نداء الولاء (1)


"الحب إما أنه محض افتراء أو أنه موجود وموقوف محكوم عليه بالفناء أو أنه حكر على بعض البشر دون غيرهم أو أنه هنا في عالمنا الساحر فقط فدعينا نلهو قليلا ونستمتع بحضرته البهية. "

ليل الشتاء بارد والرياح الخفيفة تتهادى فوق أذني لتضرب رأسي وتحرك الأفكار بداخلها..أسرع الخطى حثيثا نحو المنزل حيث أمي والدفء وكوب من الكاكاو الساخن اللذيذ. اليوم الرابع عشر من الشهر الهجري, القمر مكتمل وقد انتهى اليوم بخير حال. أتلفت حولى, الشارع خال من المارة تقريبا إلا منها, رأيتها ورقص قلبي فرحا, ولاء أميرة من أميرات الأساطير, وجه أبيض ملائكي وعيون بنية وشعر منسدل طويل, أميرة الثلوج البيضاء أم سندريلا أنت؟ الحب لك ولك وحدك وهل يليق الحب إلا بالأميرات؟ خطوت ناحيتها بسرعة وجدتها تسرع الخطى أسرعت, التفتت للخلف نحوي غاضبة, الغضب زادها جمالا وأناقة. 
-لم تتبعني؟
تلعثمت وخرجت حروفي مرتبكة: لا أتبعك فقط أردت قول: مساء الخير. أ...أ...هل أستطيع مرافقتك حتى المنزل فالشارع خال كما ترين وأنا...
اقتربت مني قليلا وقالت بدلال مميز:
-أنت ماذا؟ هل تهتم لأمري لهذا الحد؟
يكاد ينخلع قلبي من ضلوعي أجيبها: نحن جيران ونسكن ذات الشارع وذات البناية ربما أنني جار جديد لكم فقد تنقلت للعيش هنا منذ أربع أشهر فقط لكنني ..
ضحكت برقة قائلة:
-إذن فكلانا جديد على المنطقة لقد تنقلنا للعيش هنا فقط منذ ستة أشهر..اسمي...
قاطعتها: ولاء أعرف ولاء ابنة الدكتور السمري.
-وأنت؟
-لا تعرفين اسمي؟
قالت بخبث واضح: لا..لم اعتد رؤيتك هنا ..هلا عرفتني بنفسك؟
ياللكاذبة الجميلة أحب الفاتنات الخبيثات الصغيرات..جاوبتها
-اسمي نداء طالب بالسنة الأخيرة بكلية الهندسة.
-ياله من اسم مميز وغريب.
-حقا..ما رأيك نكمل حديثنا في الطريق للبناية؟
كانت إجابتها بسيطة حيث سارت معي بهدوء نحو البناية وتعمدت أنا أن يفصل بيني وبينها مسافة كافية لحماية حميميتها لكنها كافيه أيضا لأستنشق عطرها البهي. سألتها:
-ماذا تدرسين؟
-أدرس الطب كوالدي.
-لم ترغبي دراسة الطب إذن؟
-لا أعرف والدي أراد ذلك فكان كما يريد. وأنت هل اخترت الهندسة؟
-نعم ..أدرس هندسة الالكترونيات وقد اخترت المجال بنفسي فمنذ وفاة والدي تحرص أمي على تربيتي كرجل يعرف كيف ينتقي اختياراته جيدا. راق لها التعبير وربما فهمت المغزي الذي أقصده من ورائه فقالت: 
-أما أنا فلست جيدة في انتقاء الناس والأشياء تعودت أن يتم انتقاء كل شيء لي لكن ربما أغير رأيي. نظرتها أوحت لي بأنها ربما تشير لاختياري حبيبا لها فتجرأت وسألتها: هل تقبلينني صديقا لك؟
لم تجب بل نظرت لأعلى حيث شرفة الطابق الثالث حيث تسكن ووالدها ولاحظت ارتباكها حيث كانت نافذة الشرفة المغلقة تظهر ظل والدها خلف الستائر فقالت:
-أستمحيك عذرا فوالدي لا يحب أن أتأخر كثيرا. تركتني مسرعة نحو المصعد ويبدو انها لم ترد أن نصعد سويا حيث أسرعت بإغلاقه واختفت عن ناظري تماما لكنني ما زلت أحتفظ برائحتها في أنفي. انتظرت المصعد ممنيا نفسي بكوب من الكاكاو الساخن والمزين بقطع المارشمللو بأعلاه تماما كما تعده لي والدتي في ليالي الشتاء الباردة كهذه. أحبك أيها المصعد وأغار منك هكذا شعرت وأنا بداخله متوجها لشقتي بالدور الرابع, أنت مثقل مثلي بهواها وعشقها فرائحتها ما زالت تملأ هواك وتتنفس حيزك الضيق. 
جحظت عينا والدتي عند رؤيتي عند باب الشقة, أدخلتني ثم أغلقت الباب خلفي وانهارت في بكاء حار.
-ماذا حدث؟ لم أتأخر كثيرا ماما؟؟
-حذرتك كثيرا وطلبت منك كثيرا أن تحرص على مسح آثار الدماء من وجهك ويديك وملابسك لكنها ما زالت ..أشارت لقميصي حيث بقعة صغيرة من الدماء. 
-لكنها صغيرة جدا ولا يمكن لأحد ملاحظتها.
-ستقتلنا بإهمالك ..اقتربت مني والدتي وقد شعرت بأنها سببت لي حزنا دمر السعادة التي ملكتها منذ لحظات وقالت: 
يا ولدي..إنه قدرك وولاءك لبني جنسك فلا تكن ناقما أبدا من هكذا نداء فإنه نداء للولاء. وقعت كلماتها في قلبي وقع الخنجر المسموم فكيف تقرن هذا النداء بكلمة رقيقة مثل .."ولاء".  
.......................................................
"منزل ولاء"
دقات قلبي تتسارع وأنا داخل المصعد..سوف يعنفني والدي, لقد رآني معه وربما أنال عقابا أستحقه. أحاول أن أسرع من خطواتي لكن قدماي لا تكادا تحملاني, عندما فتح باب المصعد لم أر شيء سوى وجه والدي فقط. الغضب حول لون وجهه الأبيض للأحمر, سحبني من يدي داخل الشقة ثم أغلق الباب خلفنا ثم لم أع سوى صوت الصفعة فوق أذني.
-أخبرتك كثيرا أيتها الملعونة ألا تتحدثي مع أحد الجيران والليلة أراك عائدة مع هذا الشاب الذي لا نعرف له أصل؟ كيف جرؤت على ذلك؟ هل تريدين تدميرنا تماما؟ وما هذا؟ أيتها البلهاء ألم أحذرك كثيرا؟ ألم آمرك بمسح جميع آثار الدماء من وجهك ويديك؟ ما هذا؟ أشار لنقاط من الدم على كنزتي الصوفية قائلا؟ ستكون نهاية جنسنا على يديك؟ ألا تعلمين أيتها الغبية أي نداء تلبين وأي ولاء تحملين؟ تركني غاضبا حيث ترددت في أذني كلمة واحدة وهي كلمة "نداء" فكيف يقرنها بهذا النوع الغريب الذي ورثته من ولاء؟  

No comments:

Post a Comment

البراح-نثريات مرهقة

كل شيء نابض بالموت ناطق بالحياة اسألوا الجاهل يعلم بل بلغوا الحلم ترهات النعاس حين يذكر لحظة مر فيها صوت عبر عقل واستكان يطرق ال...